ملهي الرعيان

هو لقب لطائر جميل، لايتكلّف في استعراضه لنفسه. يغرد ويتراقص؛ وعليه ريش ابرق؛ ويتابعه الرعاة، إذا حلّ بهم. وتراه قريباً بعيدا. يلاحقه البعض، فيقطع بهم الوادي؛ ويضيع بعده حلالهم ووقتهم، وجهدهم. ولايرجعون منه بشيء.

"ملهي الرعيان"، كان يحذّر منه الآباء والأجداد. لأنهم ادركوا عبر الزمن، أن متابعته لاتفيد الراعي شيئاً. بل أن نفسه، وماله، قد يضيعان، وهو يتتبع حركاته وسكناته.

ومع تطور الوقت، تغيّرت حياة الناس؛ والكثير من المفاهيم، والنصائح، تبدّلت؛ بعضها للاحسن، والبعض للاسوأ.

في السابق كان الأبناء يجدون (ملهي) واحد، ياخذ من وقتهم، ويستهلك من جهدهم. واليوم تزاحم على الأبناء، أكثر من (ملهي)، محلي وعالمي؛ يتنافسون على إضاعة الفكر، بل حتى المباديء.

اليوم، يتواجد في وسائل التواصل الاجتماعي، المئات والمئات من "ملهين الرعيان". من بني جلدتنا.

ما كنا نراه في صغرنا، من ضعف شأن ذلك الطائر، نجد "الملهي" اليوم، أكثر حضوراً، وأوسع دخلاً، من اصحاب الرأي، والفكر، والشهادات العليا. ويتبعه من الأقوام كثير؛ يميلون حيث مال؛ ويتواجدون حيث أشار. بات قدوة، وليس غريباً لو قلنا العاقل يتابع سفيه.

كثير من الحسابات اليوم في العالم، هي في الواقع "ملهي رعيان" في قالب إلكتروني.
ومن غريب عالمهم، أن أحد حسابات "ملهين الرعيان"، تجاوز متابعينه المليون والاثنين والعشره. والفائدة (صفر) مكعب. وربما أنه تحت الصفر أيضاً. فلا يقدّم أي محتوى ثقافي. أو علمي أو حتى أدب، يشفع له. والألفاظ، التي يبثّها، تعود بالعقل إلى حقبة طواها الزمن، وتجاوزها العلم. نظرة سطحية للواقع، ونظرة مخلة للماضي. وعبث ثقافي، يثقل تقدم المجتمع. غير أن الإعلام يتبع الأعلام، التي يطرقها الهوى.