تركيا.. واقعها أسوأ من تاريخها

التاريخ التركي الطويل، ليس مشرّفاً، لتتحدث بالإسلام وإليه. وواقعها أسوأ من تاريخها.

السياسة التركية المتلونة، كشفت اخيراً، عن نوازع الخبث فيها، عندما دفعت بأزلامها، إلى مكة لترفع في باحات البيت العتيق، شعارات، ما أنزل الله بها من سلطان؛ وتعمل على تحويل موضع العبادة الأبرز في الإسلام، إلى نادٍ سياسي من نوادي تركيا الغارقة في الفوضى الفكرية، بين الدين والانحلال.

وأراد أردوغان أن يحوّل المطاف من باحة يسعى فيها المسلمون، بالتهليل والتكبير، والتسبيح لله رب العالمين، إلى ساحة جديدة، من ساحات (اسطنبول)؛ يمجدون فيها إسم سياسات تركيا، ويخلطوا الحق بالباطل.

لم يدرك اردوغان، الغارق في وهم العثمانية البائدة، أن المملكة نأت بالحرمين الشريفين عن المزايدات السياسية المتقلبة؛ وأعادت للبيت العتيق، مكانته ورسالته الخالدة.

قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

وإذا لم يفهم الأتراك اللغة العربية، والقرآن، فليتّبعوا منهج الصحابة والتابعين، الذي تسير عليه المملكة.

لكن على ما يظهر من تصرفات أردوغان، أنه لم ينظر للاسلام كدين مطّر، بل يراه توجّهاً حزبياً، يخضع للأدبيات البراغماتية، التي تحكم السياسات، وترسم المصالح. وتوظّف الأحداث.

وهو يسير على نهج الإيرانيين، ويكمل تشويههم لمقاصد العبادة، وسبل الإسلام. وينحو بأطهر البقع إلى مزالق الدنيا، فتتجاذبها التيارات والقوى، وتقع ضحية الأهواء والشعارات.

أردوغان القادم للعرب بعباءة الإسلام، ليس سوى واجهة باسمه لتاريخ الطغيان والاستبداد والتعالي التركي الطويل؛ وهو صوتٌ جديد في آذان العرب. تلك الآذان، التي مازال يملاها صراخ الثكالى، والأطفال. ولم تسلم منه كل البلدان العربية، حاضراً وماضي.

ما تقوم به تركيا من تصرفات عدائية للشعوب العربية، ليس بجديد. ومن يجهل التاريخ يقرأ الواقع. ومن يفهم ما يجري أمامه، سيدرك أن التاريخ كان أمر وأدهى.

في زمن طويل، كان الأتراك لهم سلطة عسكرية بإسم الإسلام، لكن البيوت العربية من الشرق للغرب، لمست مرارة ذلك الوجود؛ وأدركت مع الوقت، أن الأتراك يتحركون من منطلق قومي بحت، يؤمن باستعلاء العرق التركي على العرب. ولم يكن الإسلام، إلا عباءة خفيفة، لا تستر حالهم.

بل إنه في عهدهم البائس، دخل على الإسلام الكثير، من الشركيات والبدع. وقدّموا الإسلام للعالم في اضعف صورة، وأبشع عقيدة. وكانت حربهم المعلنة على الدولة السعودية الأولى، سببها أنها رفعت لواء التوحيد؛ وطهّرت العقيدة من البدع.

شعر الأتراك بقوة الدعوة، التي قادها الإمام محمد بن سعود. فأطلقوا جحافلهم في عام 1816م، للقضاء على التوحيد، قبل أن يكون هدفهم القضاء على الدولة الفتية.

كان ظهور الدولة السعودية الأولى، حلماً إسلامياً عريضاً، للخلاص من هيمنة الأتراك على العقل العربي المسلم. وإعادته من الجهل، إلى نور الدين الساطع. وكانت الدعوة مشرقة بالعلم. ونفضت عن الدين ماعلق به. خلال قرون الحكم العثماني الطويل.

ثم قامت الدولة السعودية الثانية في 1823م، على المنهج نفسه. ولم تتغير سياسات تركيا، عبر التاريخ.
وكان قيام الدولة السعودية الثالثة قاصماً لأحلامهم. مبدداً لشركياتهم؛ واستمرت السعودية بمراحلها، تقاوم التنمر التركي على العرب عموما. وبقيت الدرعية تحمل همّ العرب، وهمّ التوحيد. والجبل الذي تتحطم على سفوحه أحلام الغزاة.

من يجهل التاريخ عليه فقط أن يتأمل الواقع. ومانراه اليوم في سوريا، ليس سوى فصلاً جديداً من فصول الأتراك، واستغلال مقيت لأزمة إنسانية، صنعتها السياسة الدولية. وتركيا تزيد النار حطباً؛ وتتاجر بالنازحين والمهاجرين، الذين تقطعت بهم السبل. وهاهي الشاشات، تنقل لنا صور الآلاف منهم في العراء، على الحدود التركية؛ يواجهون البرد والخوف والمصير المجهول.

تركيا، التي استثمرت أزمة السوريين اسوأ إستثمار، لم تقدم لهم، إلا المزيد من الألم والحرمان. وآخر سياساتها، أن فتحت حدودها لمغادرة المهاجرين، إلى (أوروبا)، ليس لترفع عنهم المعاناة، بل نكاية في ألمانيا، وفرنسا فقط؛ تتاجر بأزمتهم، وخوفهم، وفقرهم، وألمهم، وتضعها على طاولات التفاوض مع الأوربيين، لكي يسمحوا لها أن تتحرك أكثر في ليبيا. وتعبث بالسوريين والليبيين في آن واحد.

عانى العرب في الماضي، ويعانون في الحاضر من تركيا، أكثر من غيرها.

ومافعلته في شمال سوريا من اقتطاع للأراضي العربية، تفعله اليوم في ليبيا، وتقتطع طرابلس العاصمة عن باقي الأراضي الليبية. وقد نزلت بجنودها، وعتادها، هنا وهناك؛ والتاريخ يعيد نفسه.

تاريخهم الدموي شاهداً وحاضراً عبر 600 عام. وتتجلى مذابحهم للأرمن على رأس التاريخ الدموي.

والتاريخ العربي مليء بالمآسي. والذاكرة العربية، لم تتجاوز بعد الصلف التركي. وما تركه وراءه من ألم عميق، في الوجدان العربي؛ من نظرة الاستعلاء المتجذرة بالنفس التركية، الى المذابح، والسلب في كل القرى العربية، التي وصلها الجيش التركي.

تركيا عبر تاريخها الطويل لم تقدم السلام، وإنما جاءت للأرض العربية، بجحافل يقودها الحقد الأعمى على العرق العربي. ويعتقدون بأفضليتهم على مهد الإسلام، وأحفاد الصحابة والتابعين.

العبث التركي بواقع العرب ومستقبلهم مستمر. الأزمة الحقيقية ليست في الاتراك، بقدر ما تكون في الوعي العربي، وكيف يتصدى لدعايتهم الفارغة.