كيف شعرت القنافذ بالدفء؟

إعلامية ومدربة في التشافي الذاتي، بدات الصحافة عام 1985 وحصلت على ثلاث جوائز دولية في الإعلام

فاصلة:
” لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”
– حكمة يونانية –

هي قصة قديمة عن القنافذ قرأتها في احد كتب الفيلسوف الدكتور “زكي نجيب محمود “ربما قبل عشر سنوات لكنها ظلت حاضرة في ذاكرتي كلما واجهتني مواقف تربوية مع بناتي، و مؤخراً صرت استدعيها لكثرة ما اسمع الشكاوي ممن حولي عن أولادهم ، ولأنني أيضا عانيت كأم لأقوم بتجديد أفكاري التربوية مع بناتي الصغار اللواتي صرن في عمر المراهقة حينما أدركت اختلاف الأجيال بين بناتي الكبار والصغار، واختلاف جيلي عن الجيلين معاً.
القصة كما يرويها الفيلسوف “زكي نجيب محمود” حدثت لمجموعة من القنافذ اجتمعت في ليلة شتوية باردة أطارت النوم عن عيونهم، فاقترح احد القنافذ أن تقترب بشدة من بعضها البعض لتنال الدفء، وبالفعل اقتربت القنافذ من بعضها البعض و شعرت بالدفء، لكنها تألمت من وخز شوكها حين تلامست أجسادها، فعادت للابتعاد مرة أخرى، حيث كان وخز الشوك أقوى من الشعور بالبرد، وظلت القنافذ تفكر في حل لهذه المشكلة حتى اقترح قنفذ آخر أن تقترب لتنعم بالدفء، لكن بشرط أن تترك مسافة قصيرة بينها بحيث لا تنغرس الاشواك في الأجساد.
هذه القصة القديمة لابد من استدعائها اليوم حيث نشهد فجوة كبرى بين الأجيال ، سواء في الأسر او في بيئة العمل تنبئ عن سوء الإتصال والتواصل بيننا نحن جيل الآباء وبين الجيل الحالي الذي ينقص عمره عنا بما يقارب الثلاث عقود.
إذ يحدد علماء الاجتماع متوسط الفترة الزمنية بين جيلين من 23 إلى 30 عاماً. لكن التكنولوجيا أسهمت في التحول السريع للقيم الاجتماعية بحيث أصبح من المنطقي تقليص الحدود بين الأجيال إلى 15 عاماً.
وفي تقرير لمنظمة اليونسكو عام 2019 ، فإنه يوجد خمسة أجيال من بداية القرن العشرين :
أوّلها الجيل التقليدي، المولود بين 1928 و1944، ثم جيل الطفرة السكانية المولود بين 1945 و1965، ثم الجيل “X” المولود بين عامي 1965 و1979، والجيل “Y” المولود بين 1980 و1995.
وأخيرا الجيل “Z” المولود منذ عام 1995، وهو الجيل الذي لا يعرف العالم من دون تكنولوجيا.
هذا الجيل المتهم بالأنانية وعدم وجود القيم الأخلاقية التي كان يمتلكها الجيل الأكبر منه سنا، له مزايا ومواصفات لا نكاد نختلف عليها ، فهم مستقلون لا يهتمون كثيراً لاستشارة الأهل والأقرباء ، تعريفاتهم للتصرفات وردود الأفعال مختلفة عن تعريفاتنا لها ،يعتمدون على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً في حياتهم، واستخدامهم وسائل الإعلام كمنصة جعل لديهم القدرة على التعبير عن ذواتهم بشكل اكبر من الجيل الذي سبقهم.
وهناك خمس مميزات يتسم بها الجيل الجديد في العمل، كما ظهر في نتائج بحث مشترك، أجراه BridgeWorks وCenter for Generational Kinetics، وهي: التعلم المستمر، التنوع والشمول سواء في العرق او النوع، التعاون مع فريق العمل، التوازن بين العمل والاستمتاع بالحياة، الانتماء إلى مكان العمل
أوردت صفات الجيل الحالي ليظهر الفرق بين الجيل الذي سبقهم وبين جيلهم، ولا شك أن التكنولوجيا لعبت الدور الأكبر في الاختلاف أو لنقل الفجوة بينهما، والأكيد ان علينا كجيل سابق أن نتفهم الاختلافات إذا شئنا التواصل الجيد مع أولادنا، وان نضع انفسنا مكانهم لنرى الصور من زاوية مختلفة ، لا يبدو الامر سهلاً لكنه سيكون مريحاً على المدى الطويل .