فيصل إبراهيم الشمري
كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الأمريكي
مقدمة: مشهد متغير في الشرق الأوسط
شهدت المنطقة خلال الأشهر الأخيرة تحولات غير مسبوقة أعادت تشكيل موازين القوى بشكل درامي. مغامرة يحيى السنوار، قائد حركة حماس، التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، فتحت جبهة صراع جديدة مع إسرائيل، مما أدى إلى تصعيد غير مسبوق. بالتزامن، جاء انهيار نظام بشار الأسد بعد سنوات من الدعم الإيراني والروسي كزلزال سياسي أضعف النظام الإقليمي التقليدي. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، برزت سيناريوهات جديدة تضع مستقبل المنطقة على مسار جديد ومعقد.
مغامرة السنوار: لحظة مواجهة غير مسبوقة
الهجوم المفاجئ والأهداف المعلنة:
في 7 أكتوبر، أطلق السنوار عملية عسكرية واسعة ضد إسرائيل، استهدفت القرى الحدودية والمستوطنات الجنوبية، محدثًا خسائر بشرية ومادية كبيرة. هذه العملية كانت تهدف إلى تعزيز مكانة حماس كقائد رئيسي للمقاومة الفلسطينية في ظل التوترات الداخلية المتزايدة.
الرد الإسرائيلي وتصعيد الموقف:
ردت إسرائيل بحملة عسكرية مكثفة استهدفت البنية التحتية لحماس في غزة ومراكز القيادة العسكرية. العمليات العسكرية لم تتوقف عند حدود غزة بل امتدت إلى سوريا ولبنان لضرب مواقع تابعة لحزب الله والبنية التحتية الإيرانية هناك.
ردود الفعل الإقليمية:
التصعيد أدى إلى تكثيف التنسيق الأمني بين دول المنطقة، حيث برزت مواقف مشتركة داعية لخفض التوتر. دول مثل السعودية ومصر شددت على أهمية ضبط النفس، بينما أكدت على دعم الحقوق الفلسطينية المشروعة في إطار حلول دبلوماسية.
الأيام الأخيرة لنظام الأسد: انهيار غير متوقع
سياق الانهيار:
على مدى عقد كامل، استمر نظام الأسد في مواجهة تحديات داخلية وخارجية، لكن الشهور الأخيرة شهدت تسارع وتيرة الانهيار نتيجة تدهور اقتصادي غير مسبوق، واحتجاجات داخلية، وتراجع الدعم الروسي والإيراني.
تخلي الحلفاء:
روسيا، التي كانت داعمًا رئيسيًا للأسد، انشغلت بشكل متزايد بالحرب في أوكرانيا، مما قلل من قدرتها على دعم النظام السوري عسكريًا واقتصاديًا. إيران، من جهتها، عانت من أزمات داخلية وعقوبات دولية جعلتها تركز على مصالحها المختلفة بدلًا من دعم الأسد بشكل كامل.
التصعيد الداخلي:
خلال الأسابيع الأخيرة، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة حتى في المناطق الموالية للنظام، مثل اللاذقية وطرطوس. مطالب المحتجين تجاوزت تحسين الأوضاع الاقتصادية لتشمل تغييرًا سياسيًا جذريًا.
تصعيد خارجي:
شهدت الفترة ذاتها استهدافًا متزايدًا لقيادات النظام من قبل المعارضة والقوات الإسرائيلية. الضربات شملت مراكز عسكرية استراتيجية، مما أدى إلى شلل كامل في قدرات النظام الأمنية والعسكرية.
اجتماعات دولية:
اجتماعات حاسمة في غازي عنتاب والدوحة حددت ملامح المرحلة المقبلة. القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية، نسقت مع المعارضة السورية لوضع خارطة طريق انتقالية. أبلغت روسيا الأسد رسميًا بضرورة التنحي كجزء من خطة لضمان استقرار سوريا ومنع انهيار شامل.
عودة ترامب: تداعيات كبرى على المنطقة
سياسة ترامب تجاه إيران:
عودة ترامب إلى البيت الأبيض أعادت سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران. العقوبات الأميركية استهدفت الاقتصاد الإيراني بشدة، مع دعم العمليات الإسرائيلية ضد البنية التحتية الإيرانية في سوريا ولبنان.
توازنات إقليمية جديدة:
بدلًا من الحديث عن تحالفات مباشرة، يمكن الإشارة إلى أن عودة ترامب دفعت الدول الإقليمية لتعزيز التعاون الأمني والسياسي ضمن أطر مشتركة. السعودية ومصر قادتا مبادرات لإيجاد حلول طويلة الأمد للأزمات الإقليمية، بما يشمل التنسيق مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في سوريا واليمن.
انعكاسات على حماس وحزب الله:
واجهت حماس ضغوطًا متزايدة بعد التصعيد الأخير، مع استهداف قيادتها العسكرية بشكل مباشر. في لبنان، عانى حزب الله من تراجع نفوذه بسبب الضربات الإسرائيلية والانهيار الاقتصادي الذي أضعف حاضنته الشعبية.
ما بعد الأسد: خارطة طريق سياسية وأمنية جديدة
اتفاقات أمنية:
القوى الإقليمية والدولية وضعت خططًا لمنع سوريا من التحول إلى بؤرة جديدة للتطرف. تضمنت هذه الخطط:
•انسحاب الميليشيات الأجنبية من سوريا.
•تعزيز الأمن الحدودي، خاصة مع العراق ولبنان.
ترتيبات سياسية:
•تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة وبعض الشخصيات المعتدلة من النظام السابق لضمان التوازن.
•صياغة دستور جديد يضمن مدنية الدولة وحقوق الجميع.
إعادة الإعمار:
دول مثل السعودية وقطر أبدت استعدادها لدعم مشاريع إعادة الإعمار في سوريا بعد استقرار الوضع، مع ضمان مشاركة دولية لتوزيع الأعباء.
تداعيات إقليمية: مشهد جديد يتشكل
إضعاف المحور الإيراني:
مع سقوط الأسد، فقدت إيران أهم موطئ قدم استراتيجي لها في المنطقة، مما أدى إلى عزلتها وتراجع تأثير حزب الله في لبنان.
تعزيز الاستقرار الإقليمي:
التوجه الجديد قائم على العمل المشترك لضمان استقرار المنطقة دون الدخول في صراعات مفتوحة. دول مثل السعودية وتركيا عملت على تعزيز التواصل مع القوى الدولية والإقليمية لتحقيق حل دائم في سوريا، يضمن استقرارًا بعيد المدى ويحافظ على وحدة الأراضي السورية.
دور القوى الكبرى:
الولايات المتحدة وروسيا ركزتا على إعادة ترتيب الأوضاع في سوريا بما يتماشى مع مصالحهما. بالنسبة لواشنطن، جاء التركيز على إضعاف النفوذ الإيراني، بينما عملت موسكو على ضمان استمرار مصالحها العسكرية والاقتصادية دون الانزلاق في مواجهة مباشرة مع القوى الأخرى.
مستقبل سوريا والمنطقة: رؤية شاملة
سوريا ما بعد الأسد:
•نظام سياسي جديد:
من المتوقع بناء نظام يعتمد على دستور مدني يضمن حقوق الأقليات والتعددية السياسية. الدستور الجديد سيشمل فصلًا واضحًا بين السلطات، مع تقليص صلاحيات الرئاسة وتعزيز دور البرلمان.
•مشاريع إعادة الإعمار:
بدعم من الدول العربية والغربية، ستبدأ مشاريع ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية السورية. هذه المشاريع ستشمل إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء، وإعادة بناء المدن التي دُمرت خلال الصراع.
نهاية الحروب بالوكالة:
•تقليص النفوذ الإيراني:
مع تراجع الوجود الإيراني في سوريا، ستشهد المنطقة انخفاضًا في وتيرة الحروب بالوكالة. العراق ولبنان قد يكونان المستفيدين الأكبر من هذا التراجع.
•تحقيق استقرار إقليمي:
الدول الكبرى والإقليمية تعمل على تعزيز مبادرات التعاون الاقتصادي والسياسي، مما يخفف من احتمالية اندلاع صراعات جديدة.
استراتيجية أميركية جديدة:
•احتواء النفوذ الإيراني:
تركز واشنطن على منع إيران من استعادة نفوذها الإقليمي عبر سلسلة من السياسات الاقتصادية والأمنية.
•بناء تحالفات اقتصادية:
الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها في المنطقة على بناء تحالفات اقتصادية مستدامة تضمن استقرار المنطقة وتعزز التعاون بين الدول.
الخاتمة: فصل جديد في الشرق الأوسط
إن مغامرة يحيى السنوار، وانهيار نظام الأسد، وعودة دونالد ترامب ليست أحداثًا منفصلة، بل هي حلقات في سلسلة تغييرات عميقة تضرب المنطقة. ما تشهده المنطقة ليس مجرد تحولات تكتيكية، بل إعادة صياغة شاملة للتوازنات الإقليمية.
مع تراجع النفوذ الإيراني، وتعزيز التعاون بين القوى الإقليمية والدولية، يقف الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة. التحدي الأكبر يكمن في ضمان استقرار سوريا الجديدة ومنعها من أن تصبح ساحة لصراعات جديدة.
في ظل هذه التحولات، يبدو أن المنطقة تتجه نحو نظام جديد أكثر استقرارًا، يعتمد على التعاون بين الدول لتحقيق التنمية والأمن. ولكن مع ذلك، تبقى العديد من الأسئلة مفتوحة: هل ستنجح القوى الكبرى في ضمان انتقال سياسي سلس في سوريا؟ وهل ستتمكن الدول الإقليمية من احتواء الصراعات المتبقية؟
الشرق الأوسط يكتب الآن فصلًا جديدًا في تاريخه، يحمل في طياته آمالًا بتجاوز حقبة الفوضى، ولكنه يواجه تحديات قد تكون أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح.