عبود بن علي آل زاحم
خبير تدريب وتطوير
في بيئة العمل، لا يكفي أن نؤدي المهام المطلوبة فقط، بل علينا أن نُحسن الطريقة التي نتعامل بها مع من حولنا. فالعلاقات المهنية الصحية تسهم بشكل مباشر في النجاح الفردي والجماعي، وتُحدث فرقاً في الأثر الذي نتركه خلفنا. لذلك، من المهم أن نعتاد على بعض السلوكيات البسيطة التي تعكس نضجنا واحترامنا لذاتنا وللآخرين.
ابدأ دائماً بتقدير من حولك. قد لا يمدّ لك زميلك يد العون بشكل مباشر، لكن مجرد وجوده ومشاركته لك في هذه الرحلة المهنية يستحق الشكر. كلمة بسيطة مثل “شكراً” تبني جسوراً من الود وتُشعر الآخرين بقيمتهم. في المقابل، احرص على أن تكون خفيف الظل، لا تكثر من المزاح خصوصاً في الأوقات غير المناسبة. فالعمل يتطلب أحياناً ترك مساحة للجدية، ومن المهم أن يُؤخذ حضورك على محمل الجد.
ومن الذكاء أن لا تُبدي رأياً في كل شيء. فليس كل موضوع يستحق تعليقاً، وأحياناً الصمت أبلغ من الكلام. التغافل عن الأمور البسيطة لا يعني الضعف، بل يدل على حكمة ونضج. كذلك، لا تكن ممن ينقل الحديث أو يشارك في الغيبة، فالكلمة التي تخرج منك قد تعود إليك بطريقة لا تتوقعها. حافظ على سمعتك وعلى ثقة الآخرين بك، فالثقة رأس مال لا يُقدّر بثمن.
إذا شعرت بالحماس تجاه فكرة أو مشروع، فجميل أن تُبادر، لكن الأجمل أن تضبط هذا الحماس. التوازن مهم؛ فالاندفاع أحياناً قد يؤدي إلى قرارات غير مدروسة أو مواقف مربكة. خذ لحظة للتفكير، ووازن بين الحماسة والعقل.
وفي حال اختلفت مع رأي أو طريقة عمل، لا تكن معارضاً لكل شيء. استمع، افهم وجهات النظر، ثم عبّر عن رأيك بهدوء. النقد لا يُسمع حين يُطرح بصوت مرتفع أو بنبرة هجومية. وإن رغبت في تقديم فكرة جديدة، فافعل ذلك بطريقة لبقة، وكأنك تطرح سؤالاً لا أمراً. مثلاً: “ما رأيكم لو جرّبنا طريقة مختلفة؟” هذا الأسلوب يفتح الأبواب للحوار بدلاً من أن يغلقها.
كذلك، لا تتسرع في تقديم معلومات ناقصة أو غير مؤكدة. فالنصيحة المبنية على نصف معلومة قد تؤدي إلى نتائج عكسية. خذ وقتك لتتأكد مما تقول، وكن مرجعاً موثوقاً لا مصدر ارتباك. وتذكر دائماً أن احترامك لمديرك لا يعني الموافقة على كل شيء، لكنه يعكس طريقة نضجة في التعامل مع الاختلاف. قد يخطئ المدير، وقد تكون على صواب، ولكن طريقة إيصال رأيك هي ما يصنع الفرق.
في النهاية، لا تحاول أن تكون شخصاً آخر لترضي الآخرين. كن النسخة الأصدق من نفسك، ولكن اسعَ لتكون الأفضل كل يوم. كن من يترك أثراً جميلاً في بيئة العمل، لا بالضجيج، بل بالهدوء، بالاحترام، وبالاحترافية التي يتذكرها الجميع حتى في غيابك.
ففي كل صباح جديد، أمامك فرصة أن تكون أنت السبب في تحسين مزاج أحدهم، أو رفع معنوياته، أو حتى إلهامه ليكون أفضل. تصرفاتك الصغيرة تُحدث فرقاً كبيراً، والبيئة التي نحلم بها تبدأ منا. فكن البداية، وازرع الأثر، ودع البقية تأتي من تلقاء نفسها.