خاص – الوئام
تتقدم الهند والمملكة العربية السعودية بثبات لتأسيس محور استراتيجي لا تفرضه الضرورات فحسب، بل تُمليه الرؤى المشتركة لمستقبل إقليمي أكثر استقرارًا وتكاملًا. فلم تعد هذه العلاقة محصورة في تجارة النفط أو العمالة، بل تحوّلت إلى تحالف استراتيجي شامل يمتد من الاقتصاد والطاقة إلى الدفاع والتكنولوجيا.
زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى جدة، وسط تصاعد التوترات في كشمير، لم تكن مجرد زيارة رسمية، بل كانت إعلانًا واضحًا أن أمن المنطقة، واستقرار الطاقة، والتكامل الاقتصادي باتت مسؤوليات مشتركة. من الاقتصاد والدفاع إلى الطاقة والتكنولوجيا، يخطّ البلدان معًا خارطة طريق لعصر جديد من التعاون العابر للقارات.
العلاقات السياسية
أكد مودي، خلال زيارته للمملكة الثلاثاء، أن السعودية تمثل “قوة إيجابية واستقرار”، مشيدًا بدور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تعزيز العلاقة الثنائية، واصفًا إياه بأنه “صاحب رؤية عميقة وطموح مستقبلي”.
وأكد أن العلاقة بين البلدين تمثل “ركيزة استقرار في عالم يعاني من اضطرابات متزايدة”.
الاقتصاد والطاقة
تشكل الطاقة حجر الزاوية في العلاقات الهندية السعودية، حيث تُعد المملكة من أكبر موردي النفط للهند. وقد ناقش الطرفان توسيع التعاون ليشمل مشروعات في مجالات التكرير والبتروكيماويات. كما يسعى البلدان لتعزيز الاستثمارات المتبادلة من خلال اتفاقية استثمار ثنائية قيد الإعداد.
ممر اقتصادي عالمي
أحد أبرز مشاريع التعاون الجديدة هو الممر الاقتصادي الهندي-الشرق الأوسط-أوروبا (IMEEC)، الذي يهدف إلى ربط الهند بأوروبا عبر الخليج والشرق الأوسط.
وتعمل السعودية والهند على إجراء دراسات جدوى بشأن تنفيذ أجزاء رئيسية من هذا المشروع، ما يعزز مكانة السعودية كمحور تجاري لوجستي عالمي.
الربط الكهربائي والطاقة المتجددة
أعلن مودي أن بلاده والمملكة تبحثان إمكانية الربط الكهربائي الإقليمي، بما في ذلك نقل الطاقة بين البلدين، وهو ما يعزز التكامل في قطاع الطاقة.
كما تفتح هذه المبادرات المجال أمام التعاون في مشروعات الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.
التصنيع والدفاع
في بادرة جديدة، دعا مودي المستثمرين السعوديين إلى الدخول بقوة في قطاع التصنيع الدفاعي الهندي، والذي يشهد نموًا متسارعًا.
ويهدف هذا التعاون إلى تحقيق الاستقلالية الدفاعية وتقوية القدرات الصناعية في البلدين.
التكنولوجيا والرقمنة
تسعى الهند والسعودية لتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا، خاصة الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتكنولوجيا المعلومات.
وأعرب الجانبان عن رغبة مشتركة في دعم الابتكار وريادة الأعمال من خلال منصات تبادل المعرفة والتجارب.
جسر بشري للعلاقات
تضم السعودية أكثر من 2.5 مليون هندي، يمثلون واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية في المملكة.
وقد أكد مودي أن الجالية الهندية تمثل “جسرًا بشريًا” يعزز أواصر العلاقات الثنائية، مشيرًا إلى أن المملكة لطالما كانت وجهة رئيسية للعمالة الهندية الماهرة.
تعاون دفاعي وبحري
أكد رئيس الوزراء الهندي أهمية التعاون الأمني مع السعودية في ظل التهديدات المشتركة، مشيرًا إلى اهتمام البلدين بالمحافظة على استقرار الخليج .
وشدد على أهمية التنسيق العسكري، خاصة في مجال الأمن البحري ومكافحة الإرهاب.
نحو رؤية استراتيجية موحدة
تكشف زيارة مودي الأخيرة عن تحول نوعي في العلاقات الهندية السعودية، إذ تجاوزت الطابع النفطي إلى شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة في الاقتصاد والتكنولوجيا والدفاع.
ومع المبادرات الكبرى مثل IMEEC والتكامل الطاقي والتجاري، تبدو العلاقة بين الرياض ونيودلهي متجهة نحو مرحلة من التعاون المستدام والشامل.