يُتوقّع أن يُحدِث استضافة السعودية لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2034 تحوّلًا جذريًا في قطاع السياحة، ويُسرّع وتيرة تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، بحسب ما أكده خبراء في مجال السياحة والاقتصاد.
وكانت المملكة قد حصلت في ديسمبر الماضي على الاستضافة، ومن المقرر إقامة المباريات في 15 ملعبًا موزعة على خمس مدن سعودية.
وقال وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب في وقت سابق إن قطاع السياحة الرياضية يشهد نموًا متسارعًا منذ انطلاق رؤية السعودية 2030 قبل تسع سنوات، مشيرًا إلى أن المملكة استقطبت 2.5 مليون زائر من خلال تنظيم 80 فعالية دولية في السنوات الأربع الماضية.
ويُعد تعزيز قطاع السياحة أحد الأهداف المحورية في رؤية المملكة 2030، حيث تسعى السعودية إلى تقليل اعتمادها التاريخي على العائدات النفطية، وتطمح من خلال استراتيجيتها الوطنية الطموحة إلى جذب 150 مليون زائر بحلول نهاية العقد الجاري.
فرص متعددة للنمو الاقتصادي
وأكد فيديريكو بيينوفي، الرئيس التنفيذي للأسواق الجديدة في شركة “غلوبانت”، في حديثه لـ”arab news”، أن تنظيم الحدث الكروي الأضخم في العالم يُمثل فرصة هائلة لتطوير عدة قطاعات داخل المملكة، وقال: “استضافة كأس العالم 2034 تُعد نقطة تحول لقطاع السياحة في السعودية، وتمثل محطة أساسية في تنفيذ رؤية 2030، إذ تُسهم في تسريع التنويع الاقتصادي عبر دعم السياحة والضيافة وتطوير البنية التحتية والمدن الذكية”.
وأضاف أن البطولة ستضع السعودية على خارطة الوجهات السياحية المستقبلية، سواء للسياحة الترفيهية أو الأعمال.
واتفق معه غيوم تيبو، شريك ورئيس قسم الرياضة والترفيه في شركة “أوليفر وايمان” لمنطقة الهند والشرق الأوسط وأفريقيا، وقال إن كأس العالم سيكون عاملًا محوريًا في تعزيز تنويع الاقتصاد الوطني، متوقعًا أن تستقطب البطولة أكثر من 10 ملايين زائر دولي.
وأشار إلى أن الحدث سيدفع أيضًا باستراتيجيات المملكة في مجالات النقل والسياحة وجودة الحياة، وسيفتح مجالات جديدة في التشييد والبناء والضيافة وتطوير المواهب، إلى جانب تحفيز الاستثمارات من القطاع الخاص.
أثر اقتصادي طويل الأمد
وقال تيبو إن بطولات كبرى كهذه يمكن أن تُعزز الناتج المحلي الإجمالي، مستشهدًا بتجربة جنوب أفريقيا في 2010 التي شهدت نموًا اقتصاديًا بنسبة 10٪ نتيجة تنظيم البطولة.
من جانبه، أوضح ماكس كلانته، المدير الشريك في “مجموعة بوسطن الاستشارية”، أن الفعاليات الكبرى مثل كأس العالم، الفورمولا 1، ودورة الألعاب الآسيوية المقبلة، تُشكّل مدخلًا هامًا للجماهير العالمية نحو السعودية، وتسهم في إبراز ثقافتها وتراثها وطبيعتها الفريدة.
وأشار إلى أن دمج الرياضة مع الإعلام والترفيه والثقافة سيزيد من الحضور الدولي ويُعزز نمو السياحة على المدى الطويل.
تعزيز العلاقات الدبلوماسية
ولفت تيبو إلى أن هذه الفعاليات يمكن أن تُسهم في تقوية علاقات السعودية الثنائية مع الدول الأخرى، وقال: “مثل هذه الأحداث تُعزز التبادل الثقافي والشراكات الاستثمارية والتجارية، وتمنح المملكة فرصة لتعميق تحالفاتها وتوسيع نفوذها الدبلوماسي”.
وأكد كلانته أن النجاح في تنظيم مثل هذه البطولات سيُعزّز مكانة المملكة كشريك عالمي موثوق في مجال الرياضة وإدارة الفعاليات.
وأضاف أن هذه الأحداث ستُلهِم الشباب السعودي، وتُسهم في صناعة أبطال رياضيين جدد، مشيرًا إلى أن استضافة مثل هذه البطولات “تُشعل الحماسة لدى الأجيال القادمة للسير على خطى أبطالهم المفضلين”.
تحديات متوقعة
رغم التوقعات الإيجابية، حذّر الخبراء من تحديات محتملة. وقال بيينوفي إن التحدي يكمن في دمج أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز لإدارة الحشود، وتوفير تجارب رقمية سلسة وشخصية للمشجعين.
وأشار إلى أن “الجماهير تتوقع اليوم تجربة خالية من الانتظار والاحتكاك، ويجب تقديم حلول تعتمد على البيانات والتقنيات الحديثة مثل التذاكر الرقمية والدخول البيومتري وبرامج الولاء الذكية”.
أما كلانته، فشدّد على ضرورة تطوير البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية لتقديم تجربة زائر متكاملة، بينما أكد تيبو أن “إدارة الحشود، الأمن، وخطط الطوارئ تتطلب تخطيطًا متقدمًا”، داعيًا إلى استغلال مشروعات مثل “نيوم” و”قدية” لتطبيق تقنيات المراقبة الذكية وتحقيق الاستدامة.
واختتم تيبو بالقول إن التخطيط لما بعد البطولة لا يقل أهمية، موصيًا بتحويل الملاعب إلى مراكز تدريب أو مرافق مجتمعية لضمان الاستفادة طويلة الأمد.