في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت.. “بلاد الأرز” تواصل الغرق في بحر الأزمات

يغرق لبنان في أزمات سياسية واقتصادية في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت

ثلاث سنوات مرت على الانفجار الكبير الذي ضرب مرفأ بيروت، والذي أسفر عن مقتل نحو 220 شخصًا وإصابة أكثر من 6000، إضافة إلى تدمير مساحات شاسعة من بيروت وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات، مما فاقم أسوأ أزمة سياسية واقتصادية في لبنان منذ الحرب الأهلية من عام 1975 إلى 1990.

الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ

وصف حادث انفجار مرفأ بيروت بأنّه أحد أكبر الانفجارات التي حدثت في القرن الجديد، وبالرغم من مرور 3 سنوات على الفاجعة التي ألمت باللبنانيين، إلّا أنّ محاولاتهم الدائمة في مقاضاة المسؤولين عن الحدث لا تزال تبوء بالفشل، ما دفع بعضهم إلى اللجوء للقضاء الدولي كمحاولة لعقاب من تسبب في فقدان أحبائه.

عقب الانفجار مباشرة، بدأت السلطات اللبنانية التحقيق في الكارثة، والتي كان سببها واضحًا للجميع، فوفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية في الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ، كان السبب الأساسي وراء تلك الكارثة، هو تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ دون إجراءات وقاية، ما تسبب في اندلاع حريق ضخم نتج عنه انفجار فيما بعد. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.

التحقيق في الحادثة

وأعلنت السلطات اللبنانية أنّ القاضي فادي صوان سيكون هو المحقق في الواقعة، لكن الغريب في الأمر أنّه سرعان ما تمت تنحيته في فبراير 2021، إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة" وجرح مئات الأشخاص، ليتم بعدها تولي القاضي طارق بيطار والذي أعلن عن عزمه استجواب دياب، تزامناً مع إطلاقه مسار الادّعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.

معاقبة المتورطين

أثناء التحقيقات أعلن طارق البيطار استجواب عدد من المسؤولين، إلا أنّ البرلمان اللبناني حينها رفض رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت أيضًا وزارة الداخلية منحه إذناً لاستجواب قادة أمنيين، ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها. وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده.

وبالرغم من استئناف التحقيقات في يناير 2023 بعد توقفها لنحو 13 شهرًا، حاول البيطار استكمال الطريق الذي بدأه، لكن الأمر لم يسير وفقًا للقاضي أو أهالي الضحايا، فتم إطلاق سراح جميع الموقوفين ومنع استجواب مسؤولين، وحينها لم يجد البيطار أمامه سوى التراجع عن القرارات التي اتخذها في السابق.

وقال مصدر قانوني لوكالة فرانس برس، من دون الكشف عن هويته، إن ملف التحقيق "قيد المتابعة" من بيطار، رغم الدعاوى التي تلاحقه وتعلّق عمله رسمياً.

وفي تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس، إحياء للذكرى أيضًا، قالت إنه لا يزال أقارب بعض الضحايا يكافحون منذ الرابع من أغسطس 2020، من أجل التعرف ومعرفة مصير أحبائهم الذين فقدوا في الانفجار، مما يعكس الفوضى المستمرة الحادث الأليم.

محكمة الاستئناف في بيروت تقرر كف يد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت - RT Arabic

نداء إلى "حقوق الإنسان"

وأثناء إحياء الذكرى الثالثة أيضًا، وجهت منظمات لبنانية ودولية وناجين وأهالي الضحايا نداءً إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قائلين إنه "بعد مرور 3 سنوات من الفاجعة، لكننا لسنا قريبين من العدالة ومساءلة المسؤولين عنها".

وتواصل عائلات الضحايا وجماعات حقوقية مع برلمانيين لبنانيين البحث عن طرق أخرى في الخارج لتحقيق العدالة فرفعت دعاوى مدنية، مثل دعوى قضائية ناجحة في بريطانيا،

والتي وجهت ضد شركة "سافارو ليميتيد" (Savaro Limited)، وهي شركة لتجارة المواد الكيميائية في بريطانيا، كانت الـ 2750 طنًا من نترات الأمونيوم تعود لها، وفي فبراير 2023، قضت محكمة بريطانية لصالح ثلاث عائلات من أقارب ضحايا الانفجار.

اقرأ أيضاً:

بعد تعليق 13 شهرًا.. استئناف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وإطلاق سراح 5 محتجزين

وقدرت منظمة معا، وهي منظمة لبنانية تدافع عن الضحايا والناجي، عدد القتلى بـ 236، وهو رقم أعلى بكثير من عدد القتلى الذين تم الإعلان عنهم رسمياً، البالغ عددهم نحو 191. وتوقفت السلطات عن إحصاء القتلى بعد شهر من الانفجار، حتى مع وفاة بعض المصابين بجروح خطيرة في الفترة اللاحقة وفقًا لأسوشيتد برس.

إعادة تشغيل المرفأ

ونشرت وكالة رويترز أمس الخميس، تصريحات نقلتها عن وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني، قوله إن لبنان منح شركة (سي.إم.إيه سي.جي.إم) الفرنسية عقدا لإدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت لمدة عشر سنوات، ويشمل العقد نحو 33 مليون دولار ستدفعها (سي.إم.إيه سي.جي.إم) لتطوير العمل داخل المرفأ دون الكشف عن مزيد من التفاصيل بخصوص شروط العقد.

أزمة كرسي الرئاسة

الذكرى الثالثة أيضًا تأتي في ظل أزمة كبيرة تتعلق بكرسي الرئاسة اللبناني، والذي يعد شاغرًأ منذ نحو 8 أشهر، فمنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني لنحو 12 مرة في انتخاب رئيس للبلاد، في ظل انقسام سياسي يزداد حدّة بين الحين والآخر، فكل فصيل يسعى أن يصل مرشحه للكرسي رافضًا مرشح الفصيل الآخر، لتدير حكومة تصريف أعمال البلاد حاليا، والتي تقف عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية.

الأزمة الاقتصادية

كان لبنان يعاني من أزمة اقتصادية قبل انفجار المرفأ، لكنها تفاقمت بدرجة كبرى بعده، الأزمة التي صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، تلك الأزمة التي وفقا لصندوق النقد الدولي تفاقمت نتيجة عدم اتخاذ إجراءات سياسية ووقوف البعض ضد عملية الإصلاح، ما تسبب في خسارة المودعين في لبنان نحو 10 مليارات دولار منذ 2020.

صندوق النقد الدولي، في بيان له قال إن الدين العام اللبناني قد يصل إلى ما يقرب من 550% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، لافتًا إلى أن إجراءات الإصلاح في لبنان تأتي دون ما تم النصح به ودون التوقعات، كما أن الاقتصاد اللبناني انكمش بنحو 40 % منذ بدء الأزمة وخسر ثلثي احتياطياته من العملة الأجنبية والليرة اللبنانية خسرت 98 % من قيمتها، ما أدى إلى إفقار ثلاثة أرباع السكان، إضافة إلى أن التضخم في لبنان ارتفع لـ 270% على أساس سنوي في أبريل الماضي، بعد الانخفاض الكبير بسعر الصرف.

المسؤولون في لبنان أيضًا يدركون خطورة الأزمة، فخرج رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، ليعلن أنّه في نهاية شهر أغسطس لن يستطيع لبنان تأمين الدواء ولا دفع الرواتب بالعملة الأجنبية، في حال عدم إقرار الخطة النقدية والاقتصادية التي تقدم بها القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان الجديد، وسيم منصوري.

مناشدة لبناء صوامع

وبعد 3 سنوات من انفجار مرفأ بيروت، ناشد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في مقابلة له مع وكالة سبوتنيك الروسية، أمير الكويت نواف الأحمد الصباح، بإعادة بناء صوامع القمح، والتي دمرت في الانفجار خاصة وأنّ لبنان تواجه أزمة كبيرة خاصة بالغذاء منذ الكارثة فبدأت تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح والتي تواجه أيضًا تحديا كبيرا بعد حرب أوكرانيا، قائلًا "طلبت هذا الأمر لشعب لبنان وليس للحكومة، لأن الخبز للناس ولا يجوز أن يترك بلد عربي دون مخزون استراتيجي".

ويحيي اللبنانيون اليوم الجمعة، الذكرى الثالثة لكارثة انفجار مرفأ بيروت والتي حدثت في أغسطس 2020، فيما لا تزال التحقيقات في الحادث معلقة، والأزمات السياسية والاقتصادية تحاصر المواطنين في ربوع لبنان.