د. سالم اليامي
مستشار سابق بوزار الخارجية، كاتب وباحث في العلاقات الدولية. كاتب رأي في الصحافة الوطنية منذ 2012.
عشت في مدينة طرابلس العاصمة الليبية نحو أربعة وعشرين شهراً تمكنت خلال هذه المدة الاحتكاك بالناس وبكلامهم وخاصة بعض المصطلحات التي يعبرون بها عن معاني كبيرة أو مهمة، من ذلك تعبير ” تحب تفهم تدوخ” ويعني أن فهم بعض الأمور صعب أو معقد لدرجة أنه قد يجلب لمن يريد الفهم الدوار.
تذكرت هذا التعبير بعد سماع عدد من التقارير الإعلامية عن الحادث المروح الذي ضرب العاصمة الروسية موسكو وراح ضحيته أكثر من مائة قتيل وعدد كبير من الجرحي. الجانب الروسي وبقيادة الرئيس بوتين الذي لم يستمتع بما يكفي بفوزه في الانتخابات وجه أصابع الاتهام لأوكرانيا بشكل يكاد يكون مطلق تفاعلات الحادثة في روسيا ربما تكون دافع جديد للروس لتجهيز رد عسكري على أوكرانيا واستثمار هذه الحادثة في تسويغه بحجة أن الروس يردون بالانتقام لخسائرهم البشرية من المدنيين. من الانتقادات التي وجهت للجانب الروسي في تعامله أو ردة فعله على الحادثة أنه يعيد إنتاج الأسلوب الروسي الذي يقطع الطريق على زعزعة الأمن و الاستقرار في البلاد فهناك من يقول أنه في خلال أقل من أربعة وعشرين ساعة قال الأمن الروسي أنه قبض على أعداد كبيرة من الفاعلين وفي طليعتهم المنفذين الأساسيين الأربعة الذين قاموا بالعملية بالتعاون وتوزيع المهام فيما بينهم وهذا الاسلوب يجعل البعض يشكك في مصداقية ما تعلنه سلطات الأمن، وبالنسبة للجانب الروسي فقد وجة الاتهام بشكل رئيس ومباشر لأوكرانيا، لكن أوكرانيا نفت أي صلة لها بالحادث وأكدت أن دفوعات الجانب الروسي باتهامها بالعمل الإرهابي غير مبرر حيث أن أهم قرينة ذكرها الروس في الاتهام هو أن الفاعلين كانوا يخططون للهروب إلى أوكرانيا وأن لديهم اتصالات قبل وبعد الحادثة بجهات في كييف. الدافع الأخطر الذي تحدث عنه الجانب الأوكراني هو اتهام الروس وخاصة الجيش الروسي بأنه من يقف خلف هذه العملية لتسويغ استمرار عدوانه على أوكرانيا. الجانب الأمريكي وصف الحادثة بالمروعة ولكن هذا ليس كاف لأن السفارة الأمريكية في موسكو حذرت قبل أسبوع كامل رعاياها ورعايا الدول الغربية من احتمال حدوث عمل إرهابي في موسكو وتحديداً في الأمان التي تشهد تجمع للناس. هذا التصرف الذي جاء طبيعيا في بعده الدبلوماسي أثارت تساؤلين أثنين الأول أن هناك من قدر بأن أمريكا لديها علم أكيد بالحادثة إذا كان الجانب الأوكراني هو الذي نفذها وأن الأوكرانيون أحاطوا شركائهم الأمريكان بالعملية، التساؤل الثاني إذا كان تنظيم الدولة وهو من تبنى العملية فهذا يشير للصلات الأمريكية بهذا التنظيم إما كتعاون ورعاية وهذا وارد، أو أن الجانب الأمريكي مخترق هذا التنظيم حتى وإن كان التنظيم يقوم بالعملية ضد طرف بينه وبينه عداء إضافة إلى احتمالية أن يكون التنفيذ مقابل أموال أو تسهيلات للتنظيم الواسع الانتشار. الحادث مروع والكلام كثير ومن يحب يفهم قد يدوخ.