أمل أبوالقاسم – المحللة السياسية والكاتبة الصحفية السودانية
يعيش السودان أزمة خانقة على كل الأصعدة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا، أثّرت على شكل الحياة العامة التي انقلبت رأسا على عقب وتضرر منها المواطن البسيط، كما يتصدّر الوضع الإنساني الكارثي المعاناة، وتعاني بعض معسكرات النازحين الأمرين، وبلغ بها الجوع مبلغا جراء عدم وصول الغذاء والإغاثة لبعض ولايات دارفور وكردفان وصل لحد حدوث وفيات وأرقام صادمة وتصور قاسٍ تتحدّث عنه منظمة الأغذية العالمية والمنظمات العاملة في الخصوص.
ضمن المشهد المتفاقم في السودان جراء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، تهدمت البنى التحتية، وتغير وجه العاصمة الخرطوم والولايات التي اندلع فيها النزاع، وتأثرت بالحرب بما في ذلك المصانع، فضلا عن تهجير بعض القرى العاملة في الزراعة، وولاية الجزيرة نموذجا، كما تهاوى الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية نتيجة تردي الوضع الاقتصادي لما ذكرت آنفا وغيره من أسباب؛ فانعكس سلبا على أحوال السودانيين المعيشية الذين بالكاد يكابدون لتوفير لقمة عيش تنتزع انتزاعا من فك المعاناة، لكن بالمقابل ثمة إشراقات على خفوت ضوء الحرب، إلا أنها تبعث قليلا من الأمل في النفوس التي دب فيها اليأس، والصدور التي ضاقت فتشرح من ضيقها قليلا.
على الصعيد الإنساني، ما زالت القوافل والجسور الجوية تحط رحالها من هنا وهناك بمطار بورتسودان، والدول الداعمة للسودان تبعث بما يحتاج إليه الوضع الإنساني من مواد غذائية وأدوية، وغير ذلك، تبقى فقط كيفية توصيلها، وهذا ما يجب أن تبحثه الجهات الرسمية والمانحون وأطراف الحرب، مع الالتزام الصارم بالتنفيذ والالتزام، ومع ذلك، فإن عمليات إنزال تكللت بالنجاح في الفاشر شمال دارفور، الجمعة الماضية.
ومع ذلك، فهناك معونات تبلغ مقاصدها في الولايات التي استقرت وعاد إليها النازحون؛ آخرها منحة مركز الملك سلمان، التي تم توزيعها في مدينة أم درمان، وخص بها الذين صمدوا تحت وابل الحرب رغم الحصار، أيضا ظل “المركز” يساعد المرضى وينصب مخيماته في عدد من الولايات، ومؤسسة البصر الخيرية تجري مئات العمليات للعيون، تخفيفا وعونا للمواطنين.
وفي مجال الاقتصاد، حمل الخبر الذي سرى قبيل يومين عن نسبة إنتاج الذهب للربع الأول من هذا العام، والذي تجاوزت قيمته 428 مليون دولار، تم توريدها لبنك السودان المركزي بمعدل 7 أطنان وأكثر، الكثير مِن علامات الاستفهام.
وعلى مستوى الزراعة، هناك مناطق كثيرة حصدت إنتاجها على رأسها القمح، بينما شرعت أخرى في زراعة محصول الموسم، شجّعتها بعض البنوك التي وعدت بالقروض وتوفير المعينات، وكالعهد ببعض الدول المعينة للسودان في محنته، بعثت اليابان بآليات زراعية دعما للموسم الزراعي.
ما ذكرتُ نموذجا، وليس للحصر، دللنا من خلاله أنه ورغم قتامة واقع الحرب، فإنّ هناك مَن اجتهد في تطويعها، وسعى في وسط نيرانها يحمل سقيا، يطفئ بها نار الحرب، ليستلب الضوء جزءا من السواد، وربما يطوي المسافة قريبا، ما دام أن السواد الأعظم يسعى لذلك.