سعود النداح
باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي.
العلاقات البشرية ركن أساسي في حياتنا، تحمل في طياتها الكثير من المشاعر، سواء كانت إيجابية تعزز وجودنا، أو سلبية تترك في أرواحنا ندوباً يصعب تجاوزها. ومع تعقيدات الحياة وتفاوت الشخصيات، قد نجد أنفسنا أحياناً في علاقات تُثقلنا بدلاً من أن ترفعنا، وتؤذينا بدلاً من أن تمنحنا الطمأنينة والسلام. في تلك اللحظات، يكون من الضروري أن نعيد النظر في ماهية هذه العلاقات ومدى تأثيرها علينا.
ليس من السهل اتخاذ قرار بتحجيم علاقة كانت فيما مضى تعني لنا الكثير. ولكنه قرار ضروري أحياناً لحماية ذواتنا وأنفسنا.
العلاقات ليست مقدسة إذا تجاوزت حدود الاحترام والتقدير والوفاء وحفظ الحقوق، وليست مفروضة إذا أفسدت علينا صفو أرواحنا ونالنا منها التعب والخذلان فالمواقف الصعبة. أحياناً، نجد أنفسنا نستنزف مشاعرنا في محاولة لإنقاذ علاقة لم تعد تسعنا، وكأننا نحاول ملء كوب مثقوب بماء الحياة. هذا الاستنزاف لا يعيد إلينا شيئاً سوى الإرهاق، ويتركنا نتساءل: لماذا لا نسمح لهم بالعودة غرباء؟
العودة إلى نقطة الصفر ليست دائماً دليلاً على الفشل، بل أحياناً تكون خطوة شجاعة لإعادة ترتيب حياتنا. الأشخاص الذين يسببون لنا الأذى، سواء بقصد أو دون قصد، لا يجب أن يبقوا في دائرة القرب منا. قد تكون المسافة هي الحل الأمثل. عندما تتحول العلاقة إلى مصدر للتوتر والقلق بدلاً من الدعم والاطمئنان، يكون من الحكمة أن نعيد النظر في استحقاقها لمساحاتنا العاطفية.
تحجيم العلاقات لا يعني بالضرورة القطيعة التامة. قد يعني وضع حدود واضحة وصحية، أو تقليل التواصل بما يتناسب مع احتياجاتنا النفسية. نحن لسنا ملزمين بأن نبرر أفعالنا أو أن نحمل الآخرين على فهم اختياراتنا. في نهاية المطاف، نحن المسؤولون عن سلامنا الداخلي، والقرارات التي نتخذها لحمايته هي حق أصيل لنا.
التحدي الأكبر في تحجيم العلاقات يكمن في المشاعر المختلطة التي تصاحب هذا القرار. الحنين، الذكريات، وحتى الشعور بالذنب، كلها قد تجعلنا نتردد أو نشكك في خياراتنا. لكن هذه المشاعر مؤقتة، بينما الأثر الإيجابي الذي نحصل عليه من حماية أنفسنا هو الأهم. حينما نتخذ خطوة نحو الابتعاد عن من يؤذينا، فإننا لا نختار الوحدة، بل نختار أنفسنا، نختار حياة أكثر هدوءاً وسلاماً.
دعهم يعودون غرباء، ليس من باب القسوة أو الانتقام، بل لأن الغربة بينهم وبين أرواحنا أصبحت الخيار الأصح. العلاقات السامة لا يجب أن تُغذي شعورنا بالالتزام تجاهها. الحياة قصيرة جداً لتُهدر في محاولات إصلاح ما لا يمكن إصلاحه. اختر نفسك دائماً، وامنحها الحق في أن تعيش بسلام بعيداً عن كل ما يثقلها أو يؤلمها.