فيصل الحمد خبير استراتيجي وعسكري
منذ أن تحولت الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد عام 2011 من حركة سلمية إلى صراع مسلح، شهدت سوريا ظهور عدة فصائل مسلحة على امتداد الجغرافيا السورية. بدأت هذه الظاهرة مع انشقاق مجموعة من الضباط عن قوات النظام، لتتوالى بعدها تشكيلات الفصائل التي تفاوتت بين المحلية ذات الطابع المجتمعي والفصائل الدينية ذات الأهداف العقائدية. وعلى مدار أكثر من عقد، اختفت بعض هذه الفصائل، فيما اندمج البعض الآخر في كيانات أكبر، لتفرض نفسها كلاعب رئيسي على الأرض.
بعد سقوط النظام السوري في ديسمبر الماضي، أصبحت خريطة الفصائل أكثر وضوحاً على الجغرافيا السورية. باتت هيئة تحرير الشام اللاعب الأبرز، حيث قادت عمليات عسكرية واسعة تحت مسمى “ردع العدوان”، انطلقت من إدلب مروراً بحلب، وحماة، وحمص، وصولاً إلى العاصمة دمشق، قبل أن تتجه نحو أجزاء من الساحل السوري. هذا التوسع جعلها القوة المسيطرة، متخذة مسمى “إدارة العمليات العسكرية” بدلاً من مسمى الفصيل المسلح أو عملية درع العدوان.
في المقابل، ركز الجيش الوطني السوري جهوده على عملية “فجر الحرية”، التي استهدفت مناطق تواجد قوات سوريا الديمقراطية والفصائل الكردية، خاصة في منبج والمناطق الجنوبية والشرقية لحلب. ورغم تنسيقه في مراحل معينة مع هيئة تحرير الشام، إلا أن أولوياته ظلت موجهة نحو تقليص نفوذ القوات الكردية.
أما في الجنوب، فقد برزت الفصائل المحلية في السويداء كقوة فاعلة بعد سيطرتها على المراكز الأمنية والعسكرية للنظام السابق، وتشكيل غرفة عمليات الجنوب، وتشير المصادر إلى أنها دخلت إلى منطقة دمشق قبل وصول فصائل عملية ردع العدوان. ومن بين هذه الفصائل “رجال الكرامة” و”رجال الشيخ وحيد البلعوس”، اللتان شكلتا قوة ذات طابع ديني لمحاربة الفوضى الأمنية والسيطرة على الجنوب الغربي.
في الوقت ذاته، تواصل قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، حيث تظل صاحبة النفوذ الأكبر في الشمال الشرقي. ورغم محاولات التفاوض معها من قبل إدارة العمليات العسكرية للوصول إلى تسوية سياسية تضمن وحدة سوريا، إلا أن الاشتباكات مع الجيش الوطني السوري ما زالت مستمرة.
إلى جانب هذه الفصائل المسلحة، أدى انهيار النظام وحل قواته العسكرية إلى انتشار واسع للسلاح بين المدنيين، مما دفع المجتمعات المحلية إلى التسلح لضمان أمنها الذاتي. ورغم المحاولات التي تبذلها إدارة العمليات العسكرية لجمع السلاح من أيدي المدنيين، إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار.
التنوع الكبير في الفصائل المسلحة واختلاف أهدافها ومصالحها يطرح تحديات جمة أمام مستقبل الحكم السياسي في سوريا. فالتوصل إلى صيغة سياسية تضمن الاستقرار يتطلب توافقاً بين هذه الفصائل على رؤية مشتركة تضمن تمثيلاً عادلاً لمختلف المكونات، وتجنب انزلاق البلاد إلى حرب أهلية جديدة.
إن تحقيق السلام في سوريا يستلزم إرادة سياسية حقيقية وتعاوناً بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لضمان الانتقال من حالة الفوضى إلى مرحلة بناء الدولة على أسس جديدة تتجاوز الانقسامات العميقة التي خلفتها سنوات الصراع.