مها الجبر
باحثة دكتوراه في فلسفة الاتصال والإعلام الرقمي
من أهمّ القيم الإنسانيّة التي يمرّ بها المرء مرورًا عابرًا هي القيمة الأمان. ولا أقصد الأمان في المجتمع بشكلٍ عام لأنه أمر يخصّ سيادة الدولة، بل الأمان الروحي. أن تأمن من تُحادثه، تأمن مسؤولك، تأمنُ رفيقك، تأمن من تفتح لهُ بابك لتأخذ وجبة أوصلها إليك عبر أحد تطبيقات التوصيل …إلخ.
تردّد على مسامعنا كثيرًا الحديث النبوي برواية مسلم: “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”، والمتفق عليه بنفس المعنى لكن بصيغة أخرى. وكانت التفسيرات المتداولة للحديث مرتبطة بالمعنى اللغوي لمفردة بائقة، وليس بالمعنى الاصطلاحي وهو المعنى الذي أميل إليه. فآمنك حينما لا أخشى ردّات فعلك، وعندما أجد سلاسة في تعاملي معك، ومخاوفي تنعدمُ حينما أتواصل معك بأي شكلٍ كان.
ربما هذه القيمة تتداخل مع قيم أخرى مثل قيمة المسؤولية إذ كان من أمنته مسؤولًا عنك، وقيمة الصدق إذا كان من أمنته مستشارًا أو صديقًا… وغيرها. لكن حديثي عن الأمان كقيمة أخلاقيّة وضرورة إنسانيّة نتعامل بها مع كُلّ من تضطرنا الحياة والظروف لمشاركته جزءًا من وقتنا، بغضّ النظر عن العلاقة التعاقدية الناشئة من هذه الظروف أو الضرورة.
لذا أرى أقرب وصف للسلوك الذي ينحاه من أمنه الناس هو الهيّن السهل الذي يحرم على النار ـ بنص الحديث النبوي ـ. فلو لم يكن هينًا سهلًا لما أمنه الآخرون، ولتخوفوا من ردّات فعله، وتردّدوا كثيرًا في التعاطي معه.
وقد يتعارض هذا الأمر مع الحازم بحكمة في نفوس الكثيرين؛ إذ قد يجدون صعوبة في التعامل معه بسبب الهالة المُحيطة والتي تعكسُ حزمه.
وهنا يكون الدور عليهم في التفريق بين الحزم والضعف، والمجاملة والوضوح، والعدالة والجور، لتبدأ رحلتهم الآمنة في حياة تتطلب وجود من يأمنونهم ليشعروا بالاستقرار.