خاص – الوئام
في ظل الحالة الضبابية حول موقف الإدارة الأمريكية، تدخل الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة حساسة تهدد بتغيير موازين القوى. فالرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي أعاد رسم أولويات السياسة الخارجية، يبدو مترددًا في الاستمرار بدور الوسيط، مما أثار قلق حلفاء واشنطن الأوروبيين.
وبينما تحاول كييف التكيّف مع تراجع الدعم العسكري الأمريكي، تتسابق روسيا لتثبيت مكاسبها الميدانية، مستفيدة من حالة التردد الغربي والانقسامات السياسية المتزايدة داخل حلف الناتو. في هذا المشهد المتشابك، يتحوّل دعم أوكرانيا من التزام ثابت إلى ورقة تفاوض سياسي تخضع للحسابات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية.
الولايات المتحدة تلوّح بالانسحاب
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يسعى للخروج من مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، مدفوعًا بعدم إحراز تقدم ملموس.
ويرى يعض المسؤولين في كييف أن انسحاب واشنطن قد لا يكون خيارًا سيئًا، خاصة إذا استمر الدعم العسكري. لكن غياب وضوح موقف ترمب يقلق القادة الأوروبيين، خصوصًا أن وزير خارجيته ماركو روبيو ألمح مرارًا إلى إمكانية انسحاب أمريكا من الوساطة إذا لم يتفق زيلينسكي وبوتين على شروط واقعية.
السلاح الأمريكي
أكد الرئيس زيلينسكي أن وقف الدعم العسكري الأمريكي قد يجعل فرص بقاء أوكرانيا “ضئيلة جدًا”. ومنذ بداية الحرب، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية تجاوزت 65 مليار دولار، إلا أن الرئيس ترمب، منذ توليه منصبه، لم يوافق على أي دفعة جديدة. كما أنه يتردد في استخدام التمويل المخصص مسبقًا، خوفًا من أن يتحمل مسؤولية هزيمة أوكرانيا إذا توقفت الإمدادات.
ترمب لا يريد تكرار ما وصفه بـ”الانسحاب الأكثر إذلالًا في تاريخ أمريكا” من أفغانستان، ما يجعله حذرًا من التخلي الكامل عن كييف.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني إن ترمب لم يحسم أمره بعد، وقد يختار الإبقاء على الوضع الحالي، لا إمدادات جديدة، ولا رفع للعقوبات، دون وقف كامل للدعم القائم.
منظومات تحت الخطر
إذا لم تُرسل حزم مساعدات جديدة، يُتوقع أن تنفد الأسلحة الأمريكية في غضون ستة أشهر، ما يضع أوكرانيا في موقف صعب، خاصة مع غياب منظومات الدفاع الجوي كـ”باتريوت” وصواريخ “أتكمز” بعيدة المدى.
كما أن توقف تبادل البيانات الاستخباراتية، كما حصل مؤقتًا في مارس، أدى إلى خسائر ميدانية فادحة لأوكرانيا. وذلك وفق ما نشرت التايمز البريطانية.
أوكرانيا تراهن على الطائرات المسيّرة
رغم هذا، نجحت كييف في تقليل اعتمادها على الأسلحة الغربية الثقيلة، إذ أصبحت رائدة عالميًا في إنتاج الطائرات المسيّرة. وتشير التقديرات إلى أن 70% من خسائر روسيا سببها الطائرات الأوكرانية. في عام 2024 وحده، أنتجت أوكرانيا أكثر من مليون طائرة مسيّرة، مع خطط لزيادة الإنتاج في 2025، مما قد يعوّض جزئيًا النقص الأمريكي.
من جانبها، ترى نائبة رئيس الوفد الأوكراني إلى الناتو، سولوميا بوبروفسكا، أن القارة الأوروبية قادرة على تعويض نقص الذخائر من خلال زيادة الإنتاج المحلي. وقد أعلنت أوروبا هذا الشهر عن حزمة جديدة بقيمة 24 مليار دولار. لكنها حذّرت من أن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية لا يمكن استبدالها بسهولة.
عرض أمريكي مرفوض
قدّمت إدارة ترمب خطة سلام تضمنت الاعتراف الأمريكي بسيطرة روسيا على القرم وبعض المناطق المحتلة، لكنها قوبلت برفض من بوتين وزيلينسكي على حد سواء.
وبوتين لا يزال يطالب بالسيطرة الكاملة على المناطق الأربع التي ضمتها موسكو، بينما قال زيلينسكي إنه “لا يمكن إنهاء الحرب بشكل عادل بمنح الأرض لبوتين”,
تلميحات لتقارب أمريكي روسي
زيارة رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، كيريل ديمتريف، إلى واشنطن في أبريل أثارت التكهنات بأن ترمب يسعى لعلاقات تجارية أوثق مع موسكو.
ويرى مراقبون أن تقارب ترمب مع روسيا يأتي على حساب كييف، إذ أن روسيا معفاة من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارته، في حين لم تُمنح أوكرانيا معاملة مماثلة.
هل تنسحب واشنطن حقًا؟
يرى محللون أن تهديدات الانسحاب قد تكون مناورة تفاوضية من ترمب للضغط على الطرفين. لكن مسؤولين أوكرانيين يحذرون من أن الانقسام في التحالف الغربي سيمنح موسكو انتصارًا استراتيجيًا.
يؤكد نائب رئيس لجنة العلاقات البرلمانية الأوكرانية الأمريكية أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا لا يُعد عملاً من أعمال السخاء، بل يمثل استثمارًا استراتيجيًا طويل الأمد. ويرى أن انسحاب الولايات المتحدة سيجعل التضحيات السابقة بلا جدوى، وكأنها استُخدمت فقط كورقة ضغط في مسار تفاوضي غير مكتمل.