انقسام حول سبل مواجهتها.. أزمة الطاقة الأوروبية إلى أين؟

أزمة الطاقة تتفاقم في أوروبا
أزمة الطاقة تتفاقم في أوروبا

فشل سفراء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، الجمعة الماضية، في التوافق على موقف مشترك للإصلاحات المقترحة لسوق الطاقة الكهربائية، بهدف جعل أسعار الكهرباء في أوروبا أكثر استقرارا، وتجنب تكرار أزمة الطاقة التي وقعت العام الماضي، عندما أدى ارتفاع قياسي في أسعار الغاز، لزيادة حادة في سعر الكهرباء على المستهلكين.

ويسعى الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة عضو، إلى إبرام اتفاق بشأن إصلاح سوق الطاقة الكهربائية في الاتحاد الأوروبي، وإيجاد بديل لإمدادات الغاز الروسية التي قطعتها موسكو ردا على العقوبات الأوروبية المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.

مقترحات تعديل سوق الكهرباء في أوروبا

وتبحث دول الاتحاد عن طرق تساهم في خفض استهلاك الطاقة وملء مستودعات الغاز تحسبا لانقطاع كلي محتمل جراء نقص الإمدادات مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، فيما لا تزال تصريحات السياسيين ووسائل الإعلام بضرورة توفير الطاقة تصم آذان المواطن الأوروبي.

ارتفاع أسعار الكهرباء لمستويات غير مسبوقة في أوروبا
ارتفاع أسعار الكهرباء لمستويات غير مسبوقة في أوروبا

شملت مقترحات تعديل سوق الكهرباء في أوروبا، زيادة الدعم الحكومي المستقبلي للاستثمارات الجديدة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والكهرباء من الطاقة النووية، بهدف التخلص التدريجي من الغاز، بالإضافة إلى تحفيز اللجوء إلى عقود المدى الطويل ذات السعر الثابت، مع تعزيز المنافسة المفتوحة والعادلة في أسواق الطاقة بالجملة الأوروبية للتنافس على الغاز.

إقرأ أيضًا: بين يناير وأبريل.. 10% انخفاضًا في إنتاج الغاز الروسي

وواجهت الإصلاحات انقسامًا في صفوف دول الاتحاد الأوروبي، بين مؤيد للعقود طويلة الأجل ذات السعر الثابت لحماية المستهلكين من الارتفاع الحاد في الأسعار، ومعارضين لها، خوفا من التأثير السلبي في المستثمرين.

كما واجهت دولا مثل ألمانيا وفرنسا، صعوبات في الموافقة على بنود من الإصلاحات المقترحة لسوق الطاقة الكهربائية، من بينها ضوابط تقديم مساعدات من الدولة إلى محطات الطاقة.

ألمانيا

في أعقاب بدء الحرب في أوكرانيا، تأثرت ألمانيا بشكل كبير بارتفاع أسعار الطاقة، لاعتمادها بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي الرخيص والتي توقفت جراء النزاع الروسي الأوكراني.

وخلال تقرير لوزارة الاقتصاد الألمانية، صدر في يناير 2023، أقرت الوزارة بأن برلين ستظل عاجزة عن تعويض الغاز الروسي حتى عام 2026، بسبب محدودية قدرة تخزين الغاز المسال مقارنة بالاحتياجات، حيث يمثل الغاز الروسي الرخيص ثلثي الواردات الألمانية.

وأشار التقرير إلى أن برلين تحتاج لنحو 3 سنوات إضافية لبناء سعة تخزين للغاز المسال تعادل ما وصل إليها من الغاز الروسي في عام واحد فقط هو 2021.

المستشار الألماني أولاف شولتس
المستشار الألماني أولاف شولتس

حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس، حددت أواخر 2022 سقفًا لأسعار الكهرباء للأفراد والشركات، من المفترض تطبيقه حتى منتصف العام 2024، من خلال خطة اتخذتها برلين لكبح ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء بقيمة 200 مليار يورو، ولكن تلك التدابير باهظة الثمن أججت الانتقادات مع الشركاء الأوروبيين، زاعمين بأنها منافسة غير عادلة.

إقرأ أيضًا: ارتفاع صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا في أبريل

ودافع وزير الاقتصاد روبرت هابيك عن الخطة الجديدة، مصرحًا بأن أسعار الكهرباء سوف تنخفض، لكنها ستبقى في السنوات المقبلة تساوي ضعفين أو ثلاثة أضعاف مستواها ما قبل الحرب في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن التدابير التي اتخذتها برلين ستوفر فترة من الاستقرار للقطاعات الصناعية الأكثر عرضة للتهديدات.

هل آتت خطة برلين باهظة الثمن أُكلها؟

يحدد سقف أسعار الكهرباء للشركات حاليًا عند 13 سنتًا، أي ضعف سعر التعرفة الثابتة الواردة في خطة الوزارة المدعومة بـ200 مليار يورو، في حين بلغ متوسط سعر الكهرباء للوحدات غير السكنية 18 سنتًا للكيلوواط ساعة من دون احتساب الضرائب في النصف الثاني من العام 2022، مقارنة بأقل من 10 سنتات قبل العام 2021.

وتبلغ قدرة محطات الغاز المسال التي تبنيها ألمانيا في الوقت الحالي لتخزين الواردات المتوقعة بعد 3 سنوات نحو 56 مليار متر مكعب، وستبلغ 76.5 مليار متر مكعب في 2030، وهو ما يعادل 80% من استهلاك البلاد في 2021.

البرلمان الألماني البوندستاغ
البرلمان الألماني البوندستاغ

النائب عن حزب اليسار الألماني، كريستيان لي، قال إن برلين ستواصل دفع أسعار "مجنونة" مقابل الغاز من الدول الغنية، وستعود في النهاية خالية الوفاض، وقد تظل برلين بحاجة إلى أنواع أخرى من مصادر الطاقة، حتى إذا كانت ملوثة للبيئة، أو تعارض خططها للحياد الكربوني.

فيما أعلنت رابطة مستوردي الفحم الألمانية أنه على الحكومة الاعتراف بأن الفحم خيار بديل لتوليد الكهرباء قد يمتد لسنوات مقبلة، في ضوء استمرار نقص الغاز في الأسواق.

كما أعلنت حكومة شولتس، تمديد عمل آخر 3 مفاعلات نووية في ترسانتها التي قررت التخلص منها في 2022، إلى 2023، لتخفيف الضغط عن سوق الطاقة.

فرنسا

لم يختلف الوضع القاتم في مدينة النور عن جارتها، فبرغم عدم اعتماد فرنسا على الغاز الروسي بنفس قدر بعض جيرانها الأوروبيين، إلا أن العدد القياسي للمفاعلات النووية التي خرجت من الخدمة؛ أجبر باريس على استيراد الطاقة، مما فاقم الضغط على أسواق الطاقة.

الحكومة الفرنسية أعلنت هي الأخرى؛ وضع سقف لزيادة أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء عند حدود 15% في مطلع السنة المقبلة، ممددة بذلك تحكمها بالأسعار بعد الغزو الورسي لأوكراني.

ئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن خلال مؤتمر صحفي حول وضع الطاقة في فرنسا
رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن خلال مؤتمر صحفي حول وضع الطاقة في فرنسا

وقالت رئيسة وزرائها إليزابيث بورن، في تصريحات صحافية، إن هذا السقف سيستفيد منه الأفراد والشركات الصغيرة، من خلال توزيع "شيكات طاقة" تراوح قيمتها بين 100 و200 يورو على نحو 12 مليون أسرة منخفضة الدخل لمساعدتها في تغطية فواتير التدفئة خلال فصل الشتاء.

إقرأ أيضًا: انفجار يعطل جزءا من إمدادات الغاز الروسي لأوروبا.. ومقتل 3

فيما توقع وزير المالية الفرنسي برونو لومير، أن تكلف هذه الإجراءات ما مجموعه 16 مليار يورو تتوزع بين 11 مليار للغاز و5 مليارات للطاقة الكهربائية، وربما يشهد الشتاء المقبل انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعتين عن البيوت الفرنسية في أسوأ الظروف.

دعوات للتقشف

في عام أطلقت فرنسا وإسبانيا، مشروعًا سُمّي "ميدكات" في عام 2013، لكن مدريد وباريس تخلّتا عنه عام 2019 بسبب تأثيره على البيئة وتدني منفعته الاقتصادية، ومع التهديدات الروسية بوقف تسليم الغاز لدول الاتحاد الأوروبي أعادت طرح الموضوع على الطاولة.

وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن انقطاعات متوقعة للكهرباء ستكون خلال فصل الشتاء في البلاد، بسبب أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، داعيًا المواطنين إلى تقليل استهلاك الطاقة، وشركة كهرباء فرنسا الحكومية إلى إعادة تشغيل المفاعلات النووية؛ لمنع الانقطاعات في حالة الطقس البارد.

باريس تفكر في العودة لتوليد الكهرباء من الفحم
باريس تفكر في العودة لتوليد الكهرباء من الفحم

العودة لتوليد الكهرباء بالفحم

وفي الوقت الذي تواجه فيه شركة كهرباء فرنسا عددا غير مسبوق من انقطاعات الكهرباء في مفاعلاتها النووية عقب أعمال صيانة، ما أدى إلى خفض إنتاج المحطات النووية إلى أدنى مستوى في 30 عاما.

وتفكر باريس بالعودة إلى توليد الطاقة الكهربائية بالفحم بسبب الاضطراب في سوق الطاقة، لكنها قالت إنها لن تستخدم فحما روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، حيث أكدت وزارة الانتقال الطاقي الفرنسية، أنها قد تستأنف الشتاء القادم إنتاج الكهرباء من محطة تعمل بالفحم في شرق البلاد بعد أن أغلقتها أوائل 2022.

هولاندا

على الرغم من أن هولندا حذرة بشأن الإصلاحات الجذرية لسوق الطاقة الكهربائية، بهدف جعل أسعار الكهرباء في أوروبا أكثر استقرارا، فإنها توافق على الحاجة إلى السرعة.

وزير الطاقة الهولندي روب جيتين، أعرب عن تأيده بشدة عملية قوية وسريعة للتأكد من تنفيذ الإصلاحات المقترحة هذا العام، موضحًا أن الدول تتفق على الهدف العام للتحول إلى قطاع كهرباء منخفض الكربون.

لكنه في الوقت ذاته، حذر الوزير الهولندي من القواعد التي من شأنها أن تجبر الدول على هيكلة أسواق الكهرباء من خلال إلزامها بفرض مخططات "عقود الفروقات" ذات السعر الثابت في محطات توليد الكهرباء.

إسبانيا

تشهد إسبانيا حالة من عدم الاستقرار فى أسعار الكهرباء، ففى أغسطس من العام الجاري ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 6.2% ، حيث بلغت 96 يورو لكل ميجاوات في الساعة.

يأتي ذلك بسبب ارتفاع سعر الغاز الهولندي المعياري في أوروبا خلال نفس الشهر بنسبة 12.8%، بالإضافة إلى مخاوف بشأن الإضرابات في المنشآت الأسترالية، التي تمثل حوالي 10٪ من الإمدادات العالمية، على أسعار الغاز الأوروبي.

أزمة جديدة تهدد إنتاج الطاقة

وفاقم من أزمة الكهرباء في إسبانيا، هبوط مستوى المياه في سدود الطاقة الكهرومائية إلى أدنى مستوى منذ ثلاثة عقود، ما أدي لوضع مزيد من الضغط على تكاليف الكهرباء خاصة وأن الطاقة الكهرومائية تمثل 16% من مجمل إنتاج الطاقة الكهربائية في إسبانيا.

مزارع الرياح في إسبانيا
مزارع الرياح في إسبانيا

في الوقت الذي تعاني فيه مزارع طاقة الرياح من هبوب رياح أقل من المتوسط، كما تراجع إنتاج الطاقة الشمسية بسبب العواصف الصحراوية والطقس الجاف.

إقرأ أيضًا:

تقرير يكشف عن “خسائر مهولة” لأوروبا بعد تخليها عن الغاز الروسي